الألعاب الأولمبية في باريس- تنوع انتقائي واستراتيجية ماكرون الانتخابية

المؤلف: فرانسوا بورغا10.16.2025
الألعاب الأولمبية في باريس- تنوع انتقائي واستراتيجية ماكرون الانتخابية

بعد مرور عقد كامل على استضافة باريس لدورة الألعاب الأولمبية عام 1924، شهد حفل افتتاح أولمبياد باريس 2024 تحولات جذرية، أبرزها وأكثرها إدهاشًا هو خروجه عن نطاق الاستاد المعهود وامتداده على طول مجرى مائي يخترق قلب العاصمة الفرنسية، في خطوة مبتكرة أثارت الإعجاب رغم تحديات الطقس الماطر.

إلا أن هذا الاحتفال الضخم انطوى على رسائل أخرى، أقل وضوحًا وأكثر تعقيدًا، تتطلب تحليلًا معمقًا. لفهم هذه الرسائل الخفية، يجب الغوص في المناخ السياسي الراهن في فرنسا، واستكشاف الاستراتيجيات الانتخابية الدقيقة التي يعتمدها الرئيس الفرنسي للبقاء في السلطة.

لقد كلف الرئيس إيمانويل ماكرون مصمم الرقصات توماس جولي بمهمة تقديم عرض يعكس التنوع الثقافي والاجتماعي الفرنسي، وهي فكرة نبيلة في جوهرها، لكن طريقة تنفيذها أثارت جدلاً واسعًا. فقد أشار العديد من المراقبين إلى أن هذا التنوع تم تمثيله بصورة انتقائية للغاية.

لم يطرأ أي تغيير جوهري على تمثيل "الآخر الإسلامي" في هذا الحفل، رغم أنهم يشكلون الهدف الرئيسي لحملات التحريض التي تشنها قوى اليمين المتطرف المعادية للأجانب. وكما هو معتاد، جاء التمثيل انتقائيًا؛ فوجود نجوم مثل زين الدين زيدان، وجمال دبوز – وكلاهما من أصول شمال أفريقية – كان بمثابة تذكير بأن "العرب الذين يسجلون الأهداف" – بالمعنى الحرفي والمجازي – هم من يستحقون التقدير والتكريم، تمامًا كالمغنيات الأفريقيات اللاتي يرتدين التنانير القصيرة وأبطال غوادلوب، الذين يعتبرون جزءًا لا يتجزأ من النسيج الوطني.

في المقابل، غاب عن هذا المشهد نجوم آخرون من المسلمين – مثل كريم بنزيمة، أو مغنية الراب السابقة (التي اعتنقت الإسلام) ديامز – الذين تجرأوا على التعبير عن انتمائهم الديني أو الدفاع عن حقوقهم، كمساندة الضحايا الفلسطينيين. هؤلاء ظلوا مهمشين، شأنهم شأن الرياضيات المسلمات المحجبات – كزميلاتهن في دول أخرى – اللائي غبن تمامًا عن هذا التمثيل "الشامل" المزعوم للأمة.

لم يُسمح لأي من الشخصيات الدينية الإسلامية بالجلوس إلى مائدة "الشمولية الفرنسية" في ذلك الحفل، الذي أشرفت عليه نائبة حاكم فرنسية – إسرائيلية، والتي كانت تترأس منظمة مثيرة للجدل أسسها الحزب الاشتراكي تُدعى "نداء من أجل العنصرية"، بينما يسخر البعض منها قائلين إنها أُنشئت لحماية العنصرية بدلًا من مكافحتها.

[نائبة الحاكم المشار إليها هي سيندي ليوني، والمنظمة المشار إليها SOS Racisme كانت قد تشكلت في الثمانينيات بدعم الحزب الاشتراكي الحاكم وقتئذ، وقيل إن هدفها هو سحب البساط من تحت أقدام حركة مكافحة العنصرية التي كانت قد بدأت بالظهور، حيث استبعدت القيادات التقليديين لتلك الحركة وسعت لتصدر المشهد]

الموضوع الآخر الذي طغى على الحفل هو قضية المثلية الجنسية، حيث تم التعبير عن مظاهر دعم مجتمع المثليين بطريقة استفزازية صدمت المؤمنين من جميع الأطياف الدينية. فقد تم إعادة تمثيل ما اعتبره العديد من المشاهدين – عن حق أو عن خطأ – أنه مشهد العشاء الأخير بين المسيح وتلاميذه في العقيدة المسيحية، وذلك بأسلوب تهكمي يضم عددًا من المثليين وبمشاركة طفل قاصر.

لتسليط الضوء على الدوافع الخفية وراء هذا المشروع، الذي يبدو أن رئيس الدولة كان متورطًا فيه بشكل شخصي، يجب علينا أن نلقي نظرة سريعة على استراتيجيته الانتخابية وشخصيته.

فإذا كان هذا الحفل، كما أشار موقع ميديابارت، يهدف إلى "إهانة اليمين المتطرف"، فإن المفارقة تكمن في أن من يحاول تحقيق ذلك هو نفسه من غذى التعصب العنصري وكراهية الأجانب اللذين يعتمد عليهما اليمين المتطرف!

منذ ظهورها، تميزت "الماكرونية" بهذا الطموح الخادع للتوفيق بين المتناقضات؛ اليمين واليسار، الأغنياء والفقراء، التودد إلى الأسواق المالية وتحقيق العدالة الاجتماعية، المحافظة الدينية والثورة الجنسية. لكن منذ خطابه المثير للجدل في منطقة "لي مورو" (شمال فرنسا) في سبتمبر/أيلول 2019، بات واضحًا أن هذا "الانفتاح" له حدود لا يمكن تجاوزها: في العلاقة المحورية بين الجمهورية الفرنسية ومواطنيها المسلمين، وهي العلاقة التي تشكل أساس التوتر العنصري الذي يستغله اليمين المتطرف، والذي اختار ماكرون معسكره بالفعل.

تحت لواء "الجبهة الجمهورية" (التحالف المقدس ضد اليمين المتطرف) التي تأسست عام 2017، استقطب ماكرون أصوات الناخبين من اليسار لانتخابه، ثم لإعادة انتخابه لولاية ثانية، لكنه لم يبذل أي جهد حقيقي لمواجهة التعبئة اليمينية المتطرفة – بل على العكس – فقد تخلى عن 90% من المسلمين في فرنسا الذين كان من المفترض أن يحميهم وفاءً لمبادئ ناخبيه من اليسار "الداعمين للعدالة الاجتماعية وحقوق الأقليات".

لذا، فإن الساحة "الضيقة" المتبقية للقضايا المجتمعية، وخاصة كل ما يتعلق بالمثلية الجنسية والجندر، هي ما تبقى لماكرون للحفاظ على جزء من مصداقيته اليسارية المتآكلة.

حفل افتتاح أولمبياد باريس 2024، بصورته المثيرة للجدل، يمثل محاولة يائسة من ماكرون، الداعم والشريك الضمني للعنصريين المتطرفين، لاستعادة صورته كمناهض لليمين المتطرف، في معركة يسعى إلى استغلالها لتحقيق مكاسب انتخابية دون أن يتحلى بالشجاعة اللازمة لخوضها بصدق.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة